كتبت آية نبيل
قضية وزير الزراعة لن تكون الأخيرة فى ظل استمرار الوضع الإدارى والقانونى فى مصر على ما هو عليه، هكذا اتفق خبراء القانون والجمعيات المعنية برصد وقائع الفساد، مؤكدين أن هناك عددا من الخطوات التى تأخرت مصر كثيرا فى إرسائها على مدى السنوات الماضية، والتى سهلت ترسيخ الفساد فى كافة المجالات وفتحت الأبواب لوصوله إلى أدق التفاصيل فى الحياة عموما، وأن الاستمرار فى هذا التأخير لن يمنع من تكرار قضية الفساد الأخيرة والمتهم فيها عدد من الوزراء فى حكومة محلب السابقة. الثغرات فى القوانين القديمة الثغرات فى القوانين القديمة الخاصة بالهيئات المكافحة للفساد والتى لا تمنحها الاستقلالية ولا تلزم جهات التحقيق بالأخذ بتقاريرها، مرورا باللجان الوهمية التى أنشأها مبارك تحت مسمى ” مكافحة الفساد ” ولم تعقد أى اجتماع لها منذ 2008 وحتى الآن، فضلا عن النظام البيروقراطى المتأصل فى النظام الإدارى والذى يساعد على الفساد و عدم تعقبه أكثر ما يعرقله، أبرز الأسباب التى تحتاج الى اتخاذ خطوات فعالة من الحكومة المقبلة و البرلمان لمعالجتهم. مؤسسة شركاء من أجل الشفافية فى تقريرها عن شهر اغسطس لرصد وقائع الفساد كشفت عن ارتفاع وقائع الفساد بنسبة 46% عما رصدته المؤسسة فى شهر يوليو السابق ، وأعادت السبب فى ذلك الى الغياب فى التدخلات التشريعية المتكاملة التى يمكنها التصدى لظاهرة الفساد، واعتبرت المؤسسة أن ذلك من الأسباب الرئيسية فى ارتفاع معدلاته فى مختلف القطاعات . ولاء جاد الكريم ، رئيس المنظمة ، فسر ذلك بأن أغلب القوانين القديمة تحتوى على العديد من الثغرات التى تسمح باستمرار الفساد و هروب مرتكبيه من العقاب ، مضيفا أن ما أقره دستور 2014 فى مادته 218 من التزام الدولة بمكافحة الفساد لم يتم تفعيله حتى الآن. وأوضح ولاء أن السلطة التشريعية التى تم استخدامها لإصدار العديد من القوانين سواء فى عهد الرئيس السابق عدلى منصور أو الرئيس الحالى عبد الفتاح السيسي لم تقترب من قوانين مكافحة الفساد رغم اننا فى امس الحاجة إلى ذلك، نظرا لارتفاع معدلاته فى مختلف القطاعات وهو الأمر الذى لم يتغير آلياته قبل الثورة ولا بعدها ، وهو ما يعنى ، وفقا لولاء، أن القوانين باتت عامل مساعد على الفساد وليس رادع له كما هو متوقع. دور البرلمان المقبل وأشار إلى أن البرلمان عليه أن يضع فى مقدمة أولوياته علاج هذا الخلل، مضيفا ” ليس من المنطقى أن يظل تعيين قيادات هذه الهيئات فى يد الجهات التى تراقب أصلا عليها، يجب أن يفصل مجلس الشعب فى ذلك ” ، موضحا أن المؤسسة تقوم فى الوقت الحالى بالإعداد لمشروع رصد كافة القوانين القديمة المتعلقة بمكافحة الفساد على جميع الأصعدة فضلا عن وضع مقترحات لمشروعات القوانين الجديدة وآلياتها ، والذى من المقرر ان ينتهى فى الربع الاول من 2016 . وتعد قوانين ” جهاز الكسب غير المشروع ” و ” الجهاز المركزى للمحاسبات ” و ” الرقابة الادارية ” و “التصالح فى مخالفات البناء ” و ” الادارة المحلية ” و “الهيئة العامة للرقابة المالية والبنك المركزى ” هى الأبرز بين القوانين التى يرصدها باحثو المؤسسة فى حاجتها للتعديل، فعلى سبيل المثال ما زالت الاستقلالية التى أقرها الدستور لهذه الهيئات موقوفة ، فعلى الرغم من أن المادة 215 تنص على أن يكون القوانين التى تعمل وفقها الهيئات المستقلة و الأجهزة الرقابية تجعلها تتمتع بالاجهزة الشخصية الاعتبارية و الاستقلال الفنى و المالى و الادارى ، لم تتخذ الدولة اى خطوة لتعديل القوانين على ارض الواقع لكى تعدل تبعيتها للوزارات و تحقق استقلاليتها ،فضلا عن أن هناك عدد من القوانين الجديدة التى كان من المفترض أن تصدر فى الفترة الماضية وفقا لفرضها فى الدستور بينما ما زالت تعلقها الحكومة للبث فيها فى البرلمان المقبل مثل الهيئة العامة للرقابة على التموين . يبدو أن القوانين التى صدرت فى الفترة السابقة المتعلقة بالهيئات الرقابية لم تحقق المبادئ الدستورية المقررة ، مثل قانون رقم 89 لسنة 2015 ، الخاص بحالات إعفاء رؤساء و أعضاء الهيئات المستقلة و الأجهزة الرقابية من مناصبهم ، والذى أثار العديد من ردود الفعل حول تعارضه مع ما اقره الدستور من حماية اعضاء هذه الهيئات بما يكفل استقلالهم بأن يكون تعيينهم وفصلهم من خلال موافقة البرلمان . عصام الاسلامبولى : الفساد ثانى أخطر القضايا التى تواجه استقرار الدولة بعد الإرهاب ومن جانبه قال عصام الاسلامبولى ، الفقيه الدستورى ، أن الفساد فى مصر هو ثانى أخطر القضايا التى تواجه استقرار الدولة بعد الارهاب ، مضيفا: ” احنا فساد عايش جوة الدولة ومتأصل منذ 41 سنة ، منذ انتهجنا سياسة الانفتاح الاقتصادى أو كما وصفها أحمد بهاء الدين – السداح مداح – و التى ارتبطت بما شاع من مقولات السادات وقتها مثل : اللى مش هيتغنى فى عصرى عمره ما هيتغنى ، و غيرها من المفاهيم التى بدأت ترسخ سياسة الدرج المفتوح ” . الاسلامبولى اوضح أن كافة القوانين الخاصة بالأجهزة الرقابية ليس لها جدوى دون إجراء تعديلات فعالة عليها ، بداية من منحها الاستقلالية فلا تتبع سوى البرلمان ، و الضبطية القضائية لأعضاؤها ، والأهم من ذلك على حد قوله ، هو إلزام النيابة تحريك التحقيق فى التقارير التى تقدمها هذه الجهات مشيرا الى أن أكبر الكوارث فى هذه القوانين أنها لا تلزم أحد بالتحقيق وكأنها مجرد تقارير للقراءة بل يجب وضع زمنى محدد للتحقيق قائلا ” رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات اعلن من قبل عن قضايا فساد منذ عامين ولم يتم التحقيق فيها حتى الان ، وهناك المئات من التقاير التى تكشف فساد ادارى وسياسى بحق العديد من الشخصيات لم تحركها النيابة ونجد منهم وجوه للأسف مرشحة للانتخابات المقبلة ” . انشاء مفوضية لمكافحة الفساد واضاف ” الفساد فى مصر استشرى فى كل الجهات وللاسف من ضمنها هذه الاجهزة الرقابية لذا نحتاج الى اولا انشاء مجلس قومى أو مفوضية لمكافحة الفساد ، وذلك إعمالا بالمادة 218 من الدستور المصرى ، على أن يضم فى عضويته شخصيات معروف عنها النزاهة والشفافية ولدبها خبرة فى العمل السياسي والاجتماعى والقانونى وممثلين عن الاجهزة الرقابية ، وعليها أن تراجع قوانين و تشكيل كل الهيئات الرقابية . اللافت للنظر أن مصر وقعت مصر 2008 الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد التى أصدرتها الأمم المتحدة ، و التى تنص على إقامة هيئة وطنية لمكافحة الفساد ، و هى الآلية التى توصلت اليها الاتفاقية الدولية لكى تكون الرقيب الأكبر على كافة الهيئات الرقابية الأخرى و أن تجمع فى مهامها التشريع و مراجعة الثغرات و وضع استراتيجية متكاملة لمواجهته ، وهو الأمر الذى يتفق مع ما نصه الدستور المصرى ، إلا أنه حتى الان لم تتحرك مختلف الحكومات التى توالت على الحكم فى مصر على تفعيل هذه الاتفاقية ، والتى نوقعها ضمن 165 دولة على مستوى العالم . محمود كبيش : البنية الادارية منهارة و تحوى العديد من التعقيدات تؤدى الى الفساد دكتور محمود كبيش ، عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة السابق ، قال أن القوانين التى تفرض عقوبات فى التشريعات المصرية كثيرة جدا لكنها تنتظر الى أن يتم الكشف عن المخالفات دون أن تضع القواعد لعدم السماح للوقوع فى الخطأ نفسه ، مضيفا ” البنية الادارية فى مصر منهارة و تحوى العديد من التعقيدات التى تدفع الناس من الاساس الى الفساد ، و مفيش حد بيخلص مصالحه غير لما يضع فى الدرج ، واللي تمنع ضبط السلوك ” . وأشار كبيش الى أن عمومية قواعد تملك الاراضى على سبيل المثال تعطى فرصة كبيرة لكل القائمين على ادارتها على ارتكاب المخالفات ، نفس الامر مثلا لتجديد رخص المرور و مشروعات رصف الطريق وغيرها من الأمور الإدارية التى ترسخ بيروقراطية فى الوقت ذاته تجعل الجهات الرقابية تكتب التقارير دون جدوى .
الرابط المختصر: https://pfort.org/ar/?p=286