«‬الصحة‮»‬‭.. ‬وكر‭ ‬الفساد‭ ‬

أوراق هذا الدفتر تحوى أسماء وزراء وكبراء، وتحوى أيضا موظفين وعاملين صغارًا، جميعهم وقعوا فى حبائل الشيطان، وسقطوا فى شباك الرشوة، وغرقوا فى وحل الفساد.
ولو حكينا يا «صحة» تتعدد بنا الحكاوى.. فمن المليونير الشهير  الذى  استورد أجهزة ومعدات طبية قديمة وباعها لمستشفيات وزارة الصحة بأكثر من عشرين ضعفًا من سعرها الحقيقى فتربح عشرات المليارات من الجنيهات من المال العام.
وقبل أن تهدأ فضيحة الأجهزة الطبية القديمة تفجرت فى وزارة الصحة فضيحة ثانية، كانت هذه المرة تتعلق بأكياس الدم الملوث وكان بطلها الدكتور هانى سرور.. وأكدت تحقيقات مباحث الأموال العامة ونيابة الأموال العامة تواطؤ العديد من موظفى وقيادات وزارة الصحة فى الفضيحة.
وقالت التحقيقات إنه تمت ترقية أحد المشتبه بهم فى القضية إلى منصب مدير الشئون القانونية.. وأوضحت التحقيقات أن أحد قيادات وزارة الصحة أصدر قراراً بإعدام آلاف من الأكياس الملوثة المعبأة بالدم من المتبرعين، وتم وضعها فى مخازن الوزارة. ولكن الوزارة لم تستطع تنفيذ القرار، بسبب سرعة تحرك ضباط مباحث الأموال العامة، حيث سارعوا على الفور بالتحفظ على الأكياس، وقاموا بتحريرها على ذمة القضية، على اعتبار أنها من أهم الأدلة فى القضية التى تثبت خطورة هذه الأكياس على صحة المواطنين، كما أن عدم استفادة بنوك الدم من هذه الكميات من الدم لتلوثها بالبكتيريا والفطريات الموجودة داخل الأكياس يعد إهداراً للمال العام، أدى إلى تكبيد وزارة الصحة مبالغ مالية كبيرة لشراء كميات أخرى بديلة من الدم لسد احتياجات المستشفيات.
فساد «الجبلى»
وتتوالى الفضائح بإصدار الدكتور حاتم الجبلى- وزير الصحة قبل ثورة يناير- لنفسه قراراً برقم 188 لسنة 2010 للعلاج على نفقة الدولة، وسافر إلى لندن للعلاج هناك على نفقة الدولة رغم أنه وزير صحة مصر، ويمتلك واحدة من كبريات المستشفيات فى مصر، كما أن مجلس الوزراء كان قد وافق على علاج الدكتور حاتم الجبلى، وزير الصحة فى الخارج، فى الفترة من 2006 حتى 2010 بالمخالفة للقانون، وبنفقات تصل لمليونى جنيه، بخلاف مصاريف السفر بالدرجة الأولى بالطائرة، وبدل السفر بالفئة المقررة للوزراء.
كما أصدر «الجبلى» عندما كان وزيرا للصحة قرارات علاج لزوجته منى العيوطى على نفقة الدولة بالولايات المتحدة لمدة شهر بمبلغ يتجاوز 70 ألف دولار.
كما وافق الجبلى على تحويل قرارات علاج بأكثر من 20 مليون جنيه على مستشفى دار الفؤاد الذى يمتلك نسبة من أسهمه.
وكشفت تقارير مختلفة عن إهدار مليار و500 مليون جنيه من المال العام فى قضية العلاج على نفقة الدولة بعد تخصيص أغلب القرارات للمستشفيات الخاصة.
صفقات مشبوهة
كما شهدت الوزارة عدداً من الصفقات المشبوهة تم إسنادها جميعاً بالأمر المباشر لبعض الشركات، فى مقدمتها قرار إسناد توريد 500 سيارة إسعاف لأحد الموردين بالأمر المباشر رغم أن قيمة العملية بلغت 202 مليون جنيه.
وكشفت تقارير رقابية عن وجود ما يزيد على 5700 وحدة للغسيل الكلوى بالمستشفيات، والمعاهد الطبية الحكومية غير مطابقة لاشتراطات الجودة والمواصفات القياسية؛ بخلاف استخدام مستشفيات الوزارة أدويةً منتهيةَ الصلاحية للجمهور.
واستولت إحدى الشركات التى يساهم فيها الجبلى- وقت أن كان وزيراً- على 17 ألف متر على ناصية شارع يوسف عباس من ناحية الاوتوستراد والقاهرة من شركة مدينة نصر للاستثمار بسعر 100 جنيه للمتر لـ13 ألف متر مربع فقط بسعر 100 جنيه للمتر فى حين أن سعر المتر بهذه المنطقة- وقتها- لم يكن يقل عن 70 ألف جنيه.
مافيا
وتتوالى حكاوى الفساد لتكشف وجود أكثر من مافيا داخل وزارة الصحة.. مافيا لتوريد الأدوية لمستشفيات الوزارة.. ومافيا لترخيص الأدوية يشرفون على تراخيص الدواء بمنع ترخيص أى دواء إلا من خلال مافيا توريد المستلزمات الطبية لوزارة الصحة.. ومافيا توريد ألبان الأطفال.. وهكذا صارت وزارة الصحة، وزارة للمافيا.
وجاءت واقعة الدكتور أحمد عزيز، مستشار وزير الصحة لأمانة المراكز الطبية، لتؤكد أن الفساد وصل إلى أكبر رأس فى وزارة الصحة، وكشف الدكتور محمود فؤاد، مدير مركز الحق فى الدواء، أن صفقة توريد معدات وحدتى الكبد وزرع النخاع ضمن أعمال التطوير المسئول عنها مستشار الوزير لمعهد ناصر كانت بالأمر المباشر لإحدى الشركات التى يملكها أحد أقارب طبيبة مقربة من الدكتور أحمد عزيز، ولم يتم طرح عدة أسماء لشركات لاختيار أقل سعر وفقاً للقانون.
مؤكداً أن المعدات والمستلزمات الطبية التى تم توريدها للوحدتين تم إرجاعها بعد أن افتتحها وزير الصحة الدكتور أحمد عماد.
وكان وزير الصحة أحمد عماد، الذى تولى الوزارة فى سبتمبر 2015، قد انتدب الدكتور أحمد عزيز للعمل كمستشار له لأمانة المراكز الطبية المتخصصة براتب نحو 8 آلاف و300 جنيه، ولكن الوزير جامل صاحبه بإصدار قرار يرفع مرتبه إلى 25 ألف جنيه.
مفسدون جدد
وأكدت مصادر بوزارة الصحة أن الأيام القادمة ستشهد كشف العديد من المتورطين فى قضايا فساد بالوزارة، بعضها يتعلق بالتربح من المال العام، وأخرى تتعلق بإهدار المال العام.. وقالت المصادر إن الأجهزة الرقابية تحفظت على عدد من المستندات من داخل وزارة الصحة، بعد القبض على الدكتور أحمد عزيز، وأن معظم المستندات تتعلق بالصفقات والمناقصات الخاصة بالتعامل مع الشركات الموردة للمستلزمات والأدوية والعقاقير إلى مستشفيات وزارة الصحة.
رقم 3 فساد
وكشف الدكتور ولاء جاد الكريم، مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية، أن وزارة الصحة هى ثالث أكثر الوزارات المصرية فساداً.. وقال «منذ عام 2014 ومؤسسة شركاء من أجل الشفافية ترصد وقائع الفساد فى كل الوزارات، وكشف هذا الرصد أن أكثر الوزارات فساداً هى وزارة التموين، تليها وزارة الزراعة، ثم وزارة الصحة، وليس معنى أنها الثالثة أن هناك فارقاً كبيراً بين فساد وزارة التموين (الأكثر فساداً) ووزارة الصحة (الثالثة فى قائمة الفساد)، فالحقيقة أن الفارق بينهما قليل جدا، على سبيل المثال، خلال شهر إبريل الماضى رصدنا 95 واقعة فساد فى هذا الشهر، كان 13 منها فى وزارة التموين، و10 مخالفات فى الزراعة، و9 فى وزارة الصحة.
وأوضح جاد الكريم أن أكثر أنواع الفساد انتشاراً فى وزارة الصحة هو الفساد المالى الذى يرتبط بالحصول على رشاوى فى المناقصات والمزايدات التى تنظمها الوزارة، لتوريد أجهزة طبية أو أدوية، يليها فساد التأمين الصحى، وفساد الرقابة على الأدوية والمستلزمات الطبية والرقابة على الأغذية.
وأرجع مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية انتشار الفساد فى وزارة الصحة إلى 3 عوامل، منها اثنان على مستوى مصر والعامل الثالث خاص بوزارة الصحة وحدها.. وقال «للأسف آليات مكافحة الفساد فى مصر ضعيفة، والرقابة الإدارية هى الجهة الوحيدة التى تعمل بشكل جاد، بينما جهاز المحاسبات لا يزال مشغولاً بالصراع بين أجهزة الدولة والمستشار هشام جنينة الرئيس السابق للجهاز، أما النيابة الإدارية فلا تزال مقيدة بأطر قانونية بالية، فضلاً عن أنها غير مستقلة».
وأضاف «للأسف أيضاً اختيار وزير الصحة يتم على أسس تكنوقراطية، ومن ثم يكون الوزير فاقدًا للحس السياسى، وهذه الثغرة يستغلها المفسدون لكى يتغلغلوا وينتشروا».
الأخطر
وفى ذات الاتجاه أكد الدكتور محمود فؤاد، مدير المركز المصرى للحق فى الدواء، أن الإدارة المركزية لشئون الصيدلة هى أكثر الإدارات فساداً فى وزارة الصحة، تليها إدارة العلاج الحر التى تغلق مستشفيات بلا سبب، وتعيد فتحها بلا سبب، فضلاً عن أنها تسمح ببيع الأدوية فى العيادات، وتترك بعض العيادات والمستشفيات الخاصة تجرى عمليات جراحية.. وقال «وزارة الصحة تخصص كل عام 2 مليار جنيه للإنشاءات والتطوير، وهذا المبلغ ينفق على هدم وبناء المستشفيات، والمناقصات والمزايدات وهذا المبلغ الضخم يفتح باب الفساد فى وزارة الصحة على مصراعيه».
وراهن الدكتور فؤاد على أن المستشارين الذين اختارهم وزير الصحة أحمد عماد سيسببون له العديد من المشكلات خلال الفترة المقبلة.. وقال «للأسف مستشارو الوزير سيكونون عبئًا عليه وليس مساعدين بالمعنى المتعارف عليه».

نسخ رابط مختصر

مواضيع

شارك !

الأكثر قراءة

محتوى ذو صلة

القائمة