الاثنين, 05 سبتمبر 2016 09:37
منذ ثورة يناير والحديث لا ينقطع عن محاربة الفساد، ثم تمضى الأيام لنكتشف أن الأمر كله لم يتعد كلاما فى كلام.. والدليل أن أغلب الوزارات أعلنت عن وضع آليات داخلية لمكافحة الفساد، وكل الجهات الحكومية – تقريبا – شكلت لجانا لمكافحة الفساد، وجميعها – أيضا- عقدت عشرات الاجتماعات والندوات والورش التدريبية ذات الصلة بمكافحة الفساد.. وبدا جليًا فى خطابات وتصريحات رئيس الجمهورية اهتمام مؤسسة الرئاسة بتبنى خطاب سياسى يؤكد محاربة الفساد وحث المواطنين والوزراء والمحافظين على محاربة الفساد والإعلان عن اهتمام الدولة بمحاربة الفساد، كما تواترت تصريحات متعددة لمعظم الوزراء والمحافظين فى ذات الاتجاه.. وبعد هذا كله، ماذا كانت المحصلة؟.. المحصلة فساد يتزايد، ويقوى، وأكبر دليل على ذلك ما جرى فى وزارتى الزراعة والتموين.
فوزير الزراعة السابق صلاح هلال، عندما تولى منصبه الوزاري فى مطلع مارس 2015، قرر تشكيل لجنة لمكافحة الفساد ضم فيها مستشارى الوزارة وممثلًا عن الجهاز المركزى للمحاسبات وممثلًا عن النيابة الإدارية، ومارست اللجنة عملها، وأحالت عددا من مسئولى الوزارة للنيابة بتهمة الفساد.
وبعد 6 شهور فقط، من توليه منصبه الوزارى، أى فى مطلع سبتمبر 2015 أعلن «هلال» أنه سيكشف خلال ساعات عن قضية فساد كبرى فى أحد قطاعات الوزارة، فى إطار خطة مُحكَمة بالتعاون مع الأجهزة الرقابية..
ولما مرت الساعات ،لم يكشف الوزير عن قضية الفساد التى وعد بها، وعندما قدم هو نفسه استقالته من الحكومة على خلفية اتهامات بالفساد، وبعد 7 دقائق فقط من استقالته تم القبض عليه بتهمة الفساد!..
وعقب القبض عليه قال الوزير إنه ضحية المافيا فى وزارة الزراعة!
ونفس الكلام تقريبا قاله وزير التموين المستقيل خالد حنفى قبل ساعات قليلة من تقديم استقالته.. قال بالحرف الواحد: “عندما توليت الوزارة قيل لى إننى دخلت عش الدبابير، وإن المافيا مش هتسيبنى، وإنها (المافيا) هتتلون بألوان كثيرة، وهتلبس أثواب كثيرة، وهتجينى من أبواب مختلفة، ومش هتسبنى”.
ولما قدم «حنفى» استقالته قال «حسبى الله ونعم الوكيل» فى إشارة واضحة أنه تعرض للظلم.
كلام الوزيرين «هلال» و«حنفى» يحمل دلالات خطيرة، فى مقدمتها أن الفساد فى مصر أقوى من الوزراء أنفسهم.. فهل الفساد فى مصر وصل لهذه الدرجة من التوحش؟.. يجيب الدكتور ولاء جاب الله – مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية «الفساد أكثر توحشا مما يتصور الكثيرون، ويفوق الخيال».
سألته: وهل هو فى صفوف الوزراء والكبراء فقط؟
فقال: للأسف الفساد طال كل شيء.. الوزراء، ومسئولى الصفين الأول والثانى، وهؤلاء تحديدا كارثة أخطر، لأن لديهم يقينا أن أى وزير مهما كانت قوته وجبروته سيرحل عن منصبه، بينما هم باقون، ولهذا يكون فسادهم أخطر من فساد الوزراء، خاصة أن أغلب هؤلاء يسعى إلى إفساد الوزير نفسه، لكى « يمسك عليه ذلة، أو علشان ميكنش حد أحسن من حد».
عدت أسأله: ولماذا انتشر الفساد بهذه الضراوة؟
فقال: محاربة الفساد تعتمد وبقوة على قوة التشريعات وصرامة تطبيقها، وهو ما لم يحدث حتى الآن حيث غاب الدور التشريعى لعدم وجود البرلمان خلال الفترة من يوليو 2015 وحتى منتصف يناير 2016، كما أن البرلمان وبعد انعقاده انشغل بإعداد لائحته الأساسية، ثم إقرار التشريعات التى صدرت فى غيبته، فلم يناقش بصفة واضحة قوانين من أجل مكافحة الفساد ، وخلال عملية تشكيل اللجان النوعية بالبرلمان رفض مقترح بتشكيل لجنة تختص بمكافحة الفساد.
وفوق هذا فإننا نعانى فجوة رهيبة فى التشريعات المناهضة للفساد، فالتشريعات الحالية لا تزال عاجزة عن مواجهة الفساد، فضلا عن غياب تشريعات مهمة فى مكافحة الفساد منها تشريعات حماية المبلغين والشهود، وحرية تداول المعلومات، كما أن القوانين الحاكمة لعمل الأجهزة الرقابية تمنعها من مكافحة الفساد بشكل جاد، ولكن إحقاقا للحق، ومن الإنصاف أن نشير إلى أن هيئة الرقابة الإدارية شهدت تحركات واسعة خلال العام الأخير، وضبطت عدة قضايا فساد تورط فيها بعض كبار المسئولين، وهناك شواهد كثيرة تشير إلى أن هذا الجهاز الرقابى يلقى دعما سياسيا ملحوظا، لدرجة أن رئيس الجمهورية كلفها بتشكيل لجنة فنية لتقييم المشاريع التى تنفذها الدولة.
الرابط المختصر: https://pfort.org/ar/?p=1609