شفافية التمويل والإنفاق الانتخابي

شفافية التمويل والإنفاق الانتخابي

“الفريضة الغائبة”

“مداخلة “

د.ولاء جاد الكريم[1]

التمويل والإنفاق الانتخابي ..مبررات الشفافية

توظيف المال في العملية الانتخابية يرتبط مباشرة بثلاث قضايا جوهرية ، الأولى هي قضية مصادر تمويل الأنشطة الانتخابية ، والثانية حدود وسقف الإنفاق الانتخابي  ، و الثالثة فهي بنود الإنفاق الانتخابي .

على مستوى مصادر التمويل ، فالعلاقة بين صاحب المنصب المنتخب ومصادر تمويل حملته ستؤثر بالتأكيد على توجهاته وقراراته وأدائه السياسي بشكل عام ، وبالتالي فمصادر التمويل هي التي تحمل في طياتها الإجابة على أسئلة من عينة:  لمن ينحاز النائب ؟؟ وعن أي جماعة مصالح يعبر ؟ وإلى مدى بعبر النائب عن الكتلة الاجتماعية والسياسية التي يمثلها ؟

أما على مستوى حدود وسقف الإنفاق الانتخابي ، فإنه يعكس مدى التزام الأطر التنظيمية الحاكمة بجوهر وروح مبدأ ” تكافؤ الفرص ” ، إذ أن القدرات التمويلية ، والقدرة على تعبئة الموارد المالية  للمرشحين المحتملين والفعليين متفاوتة بالتأكيد في أي نظام سياسي ، وبالتالي  فنحن إزاء أسئلة من عينة : إلى أي مدى يضمن النظام السياسي عدم تأثر فرص ترشح المواطنين ووصولهم لعضوية المجالس والمناصب العامة المنتخبة ؟

 أما على مستوى بنود الإنفاق الانتخابي ، فإنها تحمل في طياتها الإجابة على التساؤل الجوهري :  هل استخدم المرشح المال للتأثير المباشر على إرادة الناخبين ؟ .

كل هذه القضايا والتساؤلات المرتبطة بها هي التي تفرض ضرورة وجود آليات فعالة لشفافية التمويل والإنفاق الانتخابي ،  وعندما نتحدث عن الشفافية  فإننا نقصد مفهوما إجرائيا محددا يتضمن توفير المعلومات ،والعمل بطريقة منفتحة تسمح لأصحاب الشأن بالحصول على المعلومات الضرورية المتعلقة بالتمويل والإنفاق الانتخابي للمرشح .

القانون وفجوة ضمانات شفافية التمويل والإنفاق الانتخابي

قانون مباشرة الحقوق السياسية الصادر بالقرار رقم 45 لسنة 2014 هو الذي يضع الأطر التنظيمية لتمويل الحملات الانتخابية وسقف وبنود الإنفاق الانتخابي للمرشحين لعضوية مجلس النواب القادم ، فسقف الإنفاق الانتخابي وفقا لنص المادة (25) من القانون يقدر ب500الف جنيه لمرشحي المقاعد الفردية في الجولة الأولى، ومائتي ألف جنيه لجولة الإعادة، ويُضاعف الحدان المُشار إليهما لكل خمسة عشر مترشحاً تجمعهم قائمة واحدة.

كما يعطي القانون الحق للمرشح في تلقي  تبرعات نقدية أو عينية من المواطنين والأحزاب المصرية ، ويلزم المرشح بفتح حساب في أحد البنوك أو مكاتب البريد، ويحظر الإنفاق على الحملة الانتخابية من خارج هذا الحساب، كما يلزم القانون لأول مرة المرشح بإمساك سجل منتظم وفقاً لمعايير المحاسبة المصرية يدون به مصادر التمويل ومصاريف دعايته الانتخابية.

وعلى الرغم من أن هذه النصوص القانونية تعد جديدة وإيجابية قياسا على القوانين التي كانت تنظم انتخابات البرلمان قبل وبعد ثورة يناير 2011 ، إلا أن القانون لم يتضمن نصوصا تضمن بشكل قاطع وفعال توفر الشفافية في تمويل  الحملات الانتخابية والإنفاق الانتخابي  للمرشحين،ويمكن إبراز أهم ملامح هذا القصور التشريعي فيما يلي  :-

  • رغم أن القانون ينص في مادته 36 على قيام اللجنة العليا للانتخابات بتشكيل لجان مراقبة من خبراء مستقلين، لرصد ومتابعة الضوابط التي قررها الدستور أو القانون أو قرارات اللجنة العليا بشأن الدعاية (بما فيها التمويل والإنفاق) ، إلا أنه عمليا يصعب على هذه اللجان تقدير التكلفة المالية للأنشطة الانتخابية ، فضلا عن أنه لا يتوفر لديها آليات لكشف الإنفاق السري وغير المعلن  للمرشحين ، بالإضافة إلى أن عمل تلك اللجان غالبا ما يكون قاصرا على المدة الزمنية المخصصة للدعاية الانتخابية فقط ، ولا يمتد عملها لما قبل هذه الفترة القانونية والتي تشهد إنفاقا انتخابيا مكثفا وغير منظور .
  • ضعف العقوبات القانونية المقررة على مخالفة قواعد الشفافية في الإنفاق الانتخابي ، فوفقا لنص المادة (68) من القرار بقانون بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية رقم 45 لسنة 2014، يُعاقب بغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه كل من ” أنفق على الدعاية الانتخابية مبالغ غير مقيدة في الحساب البنكي الذي حددته اللجنة العليا” ، بالتالي  فيمكن  لمرشح ما ان ينفق أضعاف المبالغ المقيدة في الحساب الرسمي للحملة وفي النهاية  سيواجه بغرامة مالية هزيلة لا تحرمه من الوصول للبرلمان .
  • النصوص القانونية تتضمن إجراءات تسمح للجنة العليا للانتخابات بمتابعة مصادر تمويل  ، وسقف وبنود إنفاق  المرشح ،  لكنها لا تتضمن إجراءات من شأنها الوفاء بحق الناخبين والمتابعين في الوصول للمعلومات المتعلقة بذلك ، فالمرشح غير ملتزم قانونا بالإفصاح لناخبيه ولأصحاب المصلحة الآخرين عن مصادر وحجم تمويل حملته ، ولا عن بنود الإنفاق .
  • لا يتضمن القانون – ولا الإجراءات التنظيمية المتعارف عليها للانتخابات – آليات محددة تضمن مشاركة منظمات المجتمع المدني في متابعة التمويل والإنفاق الانتخابي للمرشحين .

التمويل والإنفاق الانتخابي .. أفكار لتحقيق الشفافية الغائبة

ليس من المتوقع أن ينتقل النظام الانتخابي المصري بين ليلة وضحاها  من مرحلة  ” غياب الشفافية ” إلى ” الشفافية المطلقة”  فيما يتعلق بمصادر تمويل وسقف وبنود الإنفاق الانتخابي  ، فالسياقات الاجتماعية والثقافية ، والتراث الانتخابي ، والمناخ السياسي  ، كلها عوامل  تؤثر بشكل أو بآخر ،  لكن من منطلق الإيمان بالتحرك التدريجي نحو هذه الغاية ، وعملا بمبدأ  ما لا يدرك كله  ، لا يترك كله ، تقدم المداخلة توصيات ومشروعات أفكار – قابلة للتنقيح  بالنقاش حولها –  يمكن أن تسهم في رفع معدلات شفافية التمويل والإنفاق الانتخابي:

  • إلزام المرشحين بنشر بيانات تفصيلية عن مصادر تمويل حملاتهم الانتخابية في وسائل الإعلام المحلية ، أو تمكينهم من نشرها من خلال المرقع الإلكتروني للجنة الانتخابات البرلمانية ، وذلك   قبل موعد  الاقتراع  بوقت كاف .
  • إلزام المرشحين ( سواء الخاسرين أو الفائزين) بنشر تقرير ختامي معتمد متضمنا كل المستندات الثبوتية المطلوبة في وسائل الإعلام المحلية ، أو تمكينهم من نشرها من خلال المرقع الإلكتروني للجنة الانتخابات البرلمانية ، وذلك بعد مرور وقت مناسب من انتهاء العملية الانتخابية .
  • مد ولاية الجهاز المركزي للمحاسبات لتشمل حق الرقابة على مصادر تمويل وبنود إنفاق المرشحين لعضوية البرلمان .
  • توسيع دور منظمات المجتمع المدني المحلية في متابعة التمويل والإنفاق الانتخابي للمرشحين ، مع ضرورة تمكينها من الوصول للمعلومات  اللازمة والمتاحة لدي حملات المرشحين أو لدي الجهات الرسمية .
  • رفع وعي المواطنين بالإجراءات القانونية المنظمة للتمويل والإنفاق الانتخابي ، وتحفيزهم على ” مساءلة ” مرشحيهم باعتبار ذلك حق من حقوق الناخبين .
  • تشديد العقوبات القانونية المتعلقة بعدم الإفصاح عن مصادر التمويل أو بنود الإنفاق ، أو مخالفة ما هو وارد في التقارير والسجلات والحسابات الرسمية للمرشح ، لتصل إلى عقوبة الشطب من سجلات المرشحين ، أو إسقاط العضوية في حال فوز المرشح قبل اكتشاف الجرم الانتخابي .

وبخلاف  هذه التوصيات  وبالتوازي معها ، تبقي ضرورة إسراع الخطي في  إنشاء الهيئة الوطنية الدائمة للانتخابات والتي  ستوفر لمنظومة الانتخابات في مصر درجات أكبر من النزاهة والشفافية ، وتتغلب على الفجوات والمشكلات  الناتجة عن ” موسمية ” العمل الانتخابي .

[1] دكتوراه التقييم الاجتماعي لمشروعات التنمية – مدير عام مؤسسة شركاء من أجل الشفافية
نسخ رابط مختصر

مواضيع

شارك !

الأكثر قراءة

محتوى ذو صلة

القائمة