الوفد
مجدي سلامة الأربعاء 22 مارس 2017
قيمة نفقات 900 مدير تتجاوز 147 مليار جنيه سنوياً
«سجل الموردين».. الباب الملكى للثراء الحرام.. والهدايا اسم «الدلع» للرشاوى
على مدى عقود وسنوات، تشكلت قائمة طويلة لمهن صارت فى عرف الكثيرين سيئة السمعة.. بمجرد أن يلتحق بها أحد، تحيطه الشبهات، وتطارده الشائعات، ويصبح متهما فى عيون الكثيرين، مهما كان بريئا وشريفا وقديسا ومخلصاً.
قائمة تلك المهن ضمت الممرضات والسكرتيرات، والكوافير وموظفى الضرائب ومهندسى المحليات ومديرى المخازن.. ومؤخراً انضمت مهنة جديدة لذات القائمة وهى مهنة «مدير المشتريات».
آخر عنقود المهن سيئة السمعة يعمل بها فى الحكومة وقطاع الأعمال 900 مدير مشتريات، يتعاملون فى 147 مليارًا و163 مليون جنيه، فى العام الواحد، وحدد الخبراء 4 أسباب لسقوط هؤلاء فى شبكة الفساد، على رأسها رواتبهم الهزيلة وسلطاتهم الكبيرة فى التعامل بمئات الملايين من الجنيهات سنوياً.
عندما تم القبض على «أحمد جمال اللبان»، مدير إدارة المشتريات بمجلس الدولة بتهمة تلقى 150 مليون جنيه رشوة، عثرت الرقابة الإدارية فى منزله على 24 مليون جنيه مصرى، و4 ملايين دولار أمريكى، و2 مليون يورو ومليون ريال سعودى، وكمية كبيرة من المشغولات الذهبية بخلاف العقارات والسيارات التى يملكها.
ووقتها قال البعض إن «اللبان» يحتفظ فى منزله ببنك كامل، ولكن الكثيرين تصوروا أن «اللبان» حالة استثنائية، فى دنيا «مديرى المشتريات».
ولم تمض سوى أيام قليلة من تلك الواقعة، وضبطت الرقابة الإدارية (ع. أ) مدير المشتريات بوزارة التخطيط عقب تقاضيه مليونًا و300 ألف جنيه كرشوة من إحدى الشركات الموردة لأجهزة حواسب آلية ومعدات إلكترونية وكابلات لوزارة التخطيط!
وكانت الرشوة- بحسب الرقابة الإدارية- مقابل تسريب معلومات عن عروض الشركات المنافسة، وتسهيل صرف المستخلصات المالية، التى تزيد قيمتها على 100 مليون جنيه، ما يؤثر فى تنافسية العطاءات ويؤدى إلى حصول الوزارة على الأجهزة والمعدات بأسعار مغالى فيها.
تكرار الرشاوى المليونية لمديرى مشتريات، ليس له إلا معنى واحد وهو ان «فيه حاجة غلط» فى هذا المنصب، وهذا الغلط هو الذى ذهبت أبحث عنه وأفتش فى أسراره.
وأول ما يستوقف فى وظيفة مدير المشتريات هو أنه، ليست هناك شروط كثيرة لشغل هذه الوظيفة فقط يكفى الحصول على بكالوريوس تجارة (ملاحظة الالتحاق بكلية التجارة متاح لمن يحصل على ما بين 70% و80% فى الثانوية العامة وأعدادهم بمئات الآلاف سنوياً).
ومن يطالع إعلانات شغل وظيفة مدير مشتريات فى أية جهة حكومية أو قطاع أعمال، فلن يجد فيها اشتراط قدرات أو معارف متميزة، ففى الغالب تقتصر تلك الشروط على الخبرة بأعمال المشتريات لفترة لا تقل عن عشر سنوات على الأقل، ثم المهارة العالية فى التفاوض وإجادة اللغة العربية بطلاقة تحدثاً وكتابة ويفضل من يتحدث الإنجليزية بدرجة جيد جداً مع مهارة جيدة فى استخدام الكمبيوتر وإجادة عالية فى استخدام الأنظمة المحاسبية الآلية والقدرة على تحمل ضغط العمل وأخيرا تأتى الدقة، الأمانة، الابتكار، وتوفر مهارات عالية فى التعامل مع الآخرين.
والواضح أن كل تلك المهارات تتوفر فى ملايين المصريين، وأمام هذه الأعداد الكبيرة التى يمكنها القيام بهذه الوظيفة لا يزيد عدد مديرى المشتريات فى القطاع الحكومى وقطاع الأعمال على 900 مدير مشتريات منهم 700 فى الجهاز الإدارى للدولة عن 200 مدير مشتريات فى قطاع الأعمال – حسب تقديرات الدكتور عبدالفتاح إسماعيل – مدير مركز الدراسات الاقتصادية والقانونية، مشيرا إلى أن هذا العدد القليل من مديرى المشتريات يتعاملون فى مبالغ وصلت فى موازنة الدولة الحالية 147 ملياراً و12 مليون جنيه، وهو ما يعنى أن كل مدير مشتريات يتعامل فى المتوسط فى مبلغ 163 مليوناً و347 ألف جنيه، ومن هذه المبالغ يتولى توفير طلبات الجهة التى يعمل بها بأرخص الأسعار وأجود المواصفات، ويتولى أيضاً التخطيط وإعداد البرامج التنفيذية الخاصة بالمشتريات لتحقيق أهداف المؤسسة، مع التخطيط لتوفير الاحتياجات عن طريق الموردين المعتمدين لدى الشركة الذين يتم قيدهم بالمؤسسة، وتقييمهم واعتمادهم مع إصدار سجل قيد للموردين يوضح به جميع بيانات المورد والبحث الدائم عن موردين جدد للوصول لأقل الأسعار بما يصب فى النهاية فى صالح المؤسسة التى يعمل فيها.
ويضيف: «إدارة المشتريات هى الجهة الوحيدة المسئولة عن توقيع وإبرام عقود الشراء، وعن ادارة الموارد المالية المخصصة للشراء فى ميزانية المؤسسة والتخطيط للمخزون من حيث تحديد مستوياته المختلفة وعن إدارة مخلفات الانتاج والانتفاع بها، كما أنها مسئولة عن استمرار العلاقات مع الموردين، ومدير المشتريات مسئول أيضا عن التخطيط السليم والتدقيق لأنشطة الشراء المختلفة وإعداد الميزانيات التقديرية والقيام بالدراسات والابحاث اللازمة لرفع مستوى الاداء والكفاءة والفاعلية عملية الشركة ومراجعة المواصفات والخصائص للمواد المطلوبة من الادارات الأخرى».
وأكد د. ولاء عبدالكريم مدير مؤسسة شركاء من أجل الشفافية أن انتشار الفساد فى أوساط مديرى المشتريات أمر طبيعى جدا – على حد وصفه.. وقال هناك 4 أسباب وراء سقوط مديرى المشتريات فى شباك الرشوة، أولها أن مدير المشتريات هو فى الأصل موظف «غلبان» راتبه محدود، ولكنه يتعامل فى عشرات وربما مئات الملايين من الجنيهات سنويا، وهذا التفاوت بين الراتب، والمبالغ التى يعمل فيها، تفتح كل أبواب الشر أمام مديرى المشتريات.. والسبب الثانى أن آليات الرقابة على عمل مديرى المشتريات تكاد تكون معدومة، وهو ما يعنى أنه يمكن أن يفعل ما بدا له، صحيح أن هناك لجانًا تتشكل، للبت فى العروض والمناقصات، ولترسية العطاءات ولكن كل تلك اللجان تكون فى حقيقتها لجانا صورية، وأحيانا لا تعقد تلك اللجان إلا على الورق فقط، ولا تنعقد بشكل حقيقى، وحتى لو انعقدت يكون مدير المشتريات فى أغلب الأحيان هو الحاكم الحقيقى لها، وهو المسير لكل الأمور داخلها.
والسبب الثالث – والكلام لا يزال لمدير مركز شركاء من أجل الشفافية – هو قوانين المناقصات والمزايدات، وهى القوانين المليئة بالثغرات، والتى تسمح بالتلاعب وتمرير صفقات مشبوهة.. والسبب الرابع أن القانون يمنح مديرى المشتريات سلطات كبيرة تمكنهم من التعامل مع موردين معينين واستبعاد ما يشاءون من موردين، وهو عمل يفتح كل أبواب الفساد.
وكشف مدير مشتريات بإحدى الوزارات الاقتصادية – طلب عدم ذكر اسمه – أن أخطر ما يفتح أسباب الفساد هو سجل الموردين.. ويقول: «القيد فى سجلات الموردين يفتح أوسع أبواب البيزنس والربح، ولأن القيد فى تلك السجلات يشترط خبرة وسابقة أعمال طويلة، ولأن هناك كثيرًا من راغبى الثراء السريع، الذين لا يمتلكون أى خبرات او سابقة أعمال، يريدون اقتحام عالم التوريد للجهات الحكومية فإنهم مستعدون لعمل كل شىء وأى شىء لقيدهم فى تلك السجلات، وأول ما يمكن أن يفعلوه هو تقديم هدايا بالملايين، وهم يسمونها هدايا – كاسم دلع- رغم أنها فى الحقيقة رشاوى».
ولمواجهة هذا الواقع الخطير دعا الدكتور ولاء عبدالكريم – مدير مركز شركاء من أجل الشفافية – إلى تكوين مؤسسة واحدة تتمتع بالشفافية الكاملة وتتولى القيام بالدور الذى تقوم به إدارات المشتريات فى كل الجهات الحكومية.. وقال: «فى الولايات المتحدة توجد هيئة تسمى هيئة المشتريات الحكومية، تتمتع بشفافية مطلقة، وهى مسئولة عن كل مشتريات الحكومة، ونحتاج فى مصر لتكوين مثل هذه الهيئة لنقضى تماما على أى فساد يمكن أن يتسلل لإدارات المشتريات فى كل القطاعات الحكومية، وهو ما سيوفر مليارات الجنيهات سنوياً».
الرابط المختصر: https://pfort.org/ar/?p=2184